مدخل إلى كتاب الإسلام بين الشرق والغرب
يُعد كتاب الإسلام بين الشرق والغرب واحدًا من أهم الأعمال الفكرية في القرن العشرين، كتبه المفكر والفيلسوف علي عزت بيجوفيتش، ليكون بمثابة جسر بين عالمين متقابلين: عالم المادة والعلم، وعالم الروح والإيمان.
منذ الصفحات الأولى، يدرك القارئ أن هذا الكتاب ليس مجرد مؤلف عادي، بل تجربة فكرية وروحية تعكس رحلة مؤلفه بين الفكر الغربي الحديث وتجذره العميق في الهوية الإسلامية.
في الإسلام بين الشرق والغرب، نجد مزيجًا نادرًا من التحليل الفلسفي، والنظرة الإنسانية، والتأمل الروحي، مما يجعله من الكتب التي لا تُقرأ مرة واحدة، بل يعود إليها القارئ مرارًا ليكتشف في كل قراءة معنى جديدًا.
يبرز في هذا العمل عشق علي عزت للحرية وتقديسه للمسؤولية في آن واحد، فهما ركيزتان أساسيتان في فلسفته عن الإنسان والإيمان والكون.
الحرية في الإسلام بين الشرق والغرب
يرى بيجوفيتش أن الحرية ليست ترفًا فكريًا، بل هي جوهر الإنسان ذاته، فهي الميزة التي تفرّق بين الإنسان والكائنات الأخرى. في كتاب الإسلام بين الشرق والغرب، يوضح الكاتب أن الله سبحانه وتعالى هو وحده القادر على أن يخلق مخلوقًا حرًّا، لأن الحرية في أصلها فعل من أفعال الخلق الإلهي.
ومن هنا فإن الحرية الإنسانية هي الدليل الأعمق على وجود الله، إذ لا يمكن تفسيرها ماديًا أو تطوريًا فقط.
يقول بيجوفيتش:
“إن الحرية مسؤولية قبل أن تكون حقًا، فهي التي تجعل الإنسان إنسانًا.”
إنه يرى أن كل محاولة لتجريد الإنسان من حريته، أو التفكير نيابة عنه، أو إلغاء إرادته، هي خيانة لجوهر الإنسانية.
ومن خلال هذا المنظور، تصبح قضية الحرية عنده ليست مجرد شعار سياسي أو اجتماعي، بل قضية لاهوتية وفلسفية في المقام الأول.
بين الخلق الإلهي والمسؤولية الإنسانية
يتعمق كتاب الإسلام بين الشرق والغرب في العلاقة بين الخلق الإلهي والحرية الإنسانية.
فإذا افترضنا أن أفعال الإنسان محددة مسبقًا، كما تزعم الفلسفات المادية، فلا يكون هناك معنى للألوهية أو للمسؤولية الأخلاقية.
لكن إذا أقررنا بحرية الإنسان ومسؤوليته عن أفعاله، فإننا نقرّ ضمنًا بوجود خالق وهب له هذه القدرة العجيبة على الاختيار.
إن الله وحده، كما يقول بيجوفيتش، هو القادر على أن يخلق مخلوقًا حرًّا قادرًا على الخطأ والصواب في آن واحد.
وهنا تتجلى عبقرية الكتاب، إذ لا يفصل بين الدين والفكر، ولا بين الإيمان والعقل، بل يراهما خطين متوازيين يسيران في انسجام نحو الحقيقة الكبرى.
الإسلام.. طريق الوسط بين الشرق والغرب
من أهم أفكار كتاب الإسلام بين الشرق والغرب أن الإسلام يمثل “الطريق الثالث” بين عالمين متقابلين.
فالشرق هو عالم الروح، والتصوف، والغيب، بينما الغرب هو عالم العقل، والعلم، والمادة.
الإسلام، بحسب رؤية علي عزت، يجمع بين الاثنين، فهو دين يوازن بين الجسد والروح، بين الإيمان والعقل، بين الحرية والنظام.
ومن هنا جاءت تسمية الكتاب؛ فهو ليس مجرد مقارنة جغرافية أو حضارية، بل مقارنة فلسفية بين رؤيتين للوجود:
رؤية الشرق التي تنكر المادة، ورؤية الغرب التي تنكر الروح.
أما الإسلام، فهو وحدة تجمع النقيضين في نظام واحد متكامل، حيث يكون الإنسان كائنًا ذا روح وجسد في آنٍ واحد، حرًّا ومسؤولًا في نفس الوقت.
الصلاة.. انعكاس لتنظيم الكون
يُبرز الكاتب في كتاب الإسلام بين الشرق والغرب نظرة الإسلام العميقة إلى العبادة باعتبارها وسيلة لتنظيم علاقة الإنسان بالكون.
فالصلاة مثلًا ليست مجرد فعل تعبدي، بل هي انعكاس للطريقة التي يريد الإسلام بها تنظيم العالم.
فهي توحد بين العقل والروح، بين النظام والحرية، بين الجهد الفردي والاتصال الإلهي.
يقول بيجوفيتش في اقتباس شهير:
“ليست الصلاة مجرد تعبير عن موقف الإسلام من العالم، بل انعكاس للطريقة التي يريد بها الإسلام تنظيم هذا العالم.”
بهذا الفهم، تصبح العبادة في الإسلام وسيلة لخلق التوازن، وليست هروبًا من الواقع.
إنها ترجمة عملية لفلسفة الإسلام التي تؤمن بأن الروح لا تنفصل عن الحياة، وأن الإيمان لا ينفصل عن العمل.
الإنسان بين المادة والروح
يتناول كتاب الإسلام بين الشرق والغرب مسألة جوهرية وهي طبيعة الإنسان.
فهو ليس مجرد جسد مادي كما تقول المذاهب المادية، ولا روحًا خالصة كما يعتقد بعض المتصوفة، بل هو كائن مركّب من الاثنين.
وهنا يقدّم بيجوفيتش تفسيرًا مدهشًا: الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يشعر بالتناقض الداخلي، لأن فيه نزعتين متضادتين — نزعة إلى السماء، وأخرى إلى الأرض.
هذا التناقض ليس عيبًا في الإنسان، بل هو سر عظمته، وهو ما يجعله كائنًا قادرًا على الإبداع والاختيار والخطأ والتوبة.
وفي هذا الإطار، يربط المؤلف بين الفلسفة الإسلامية ورؤى الفكر الغربي، ليكشف كيف أن الإسلام يقدم الحل المتوازن بين المادة والروح.
نقد الحضارة المادية الغربية
في فصول مؤثرة من الإسلام بين الشرق والغرب، ينتقد علي عزت الحضارة الغربية التي جعلت من التقدم المادي غاية نهائية.
يسأل بعمق: لماذا تزداد حالات الانتحار والأمراض النفسية رغم ارتفاع مستويات المعيشة والتعليم؟
ولماذا لا يؤدي التقدم المادي إلى مزيد من السعادة أو الإنسانية؟
ويخلص إلى أن الإنسان عندما ينفصل عن الإيمان، يفقد المعنى، لأن الحياة لا يمكن تفسيرها بالوسائل العلمية فقط، بل هي معجزة قائمة بذاتها.
“إننا لا نستطيع تفسير الحياة بالوسائل العلمية فقط، لأن الحياة معجزة، والدهشة أعظم أشكال الفهم.”
في هذه الكلمات يتجلى جوهر الرسالة التي يريد إيصالها: أن الإيمان ليس عدوًا للعلم، بل مكمله الطبيعي.
فالعلم يفسر “كيف” تعمل الأشياء، بينما الدين يجيب عن “لماذا” وُجدت الأشياء أصلًا.
الحرية مسؤولية وليست فوضى
في فكر علي عزت، كما يتجلى في كتاب الإسلام بين الشرق والغرب، الحرية ليست انعدام القيود، بل التزام بالمسؤولية الأخلاقية.
فالإنسان الحر هو الذي يعرف أنه مسؤول أمام الله عن أفعاله، وأن الحرية التي وهبها الله له ليست لإشباع الأهواء، بل لتحقيق غاية سامية.
ولهذا يقول بيجوفيتش إن أي تلاعب بالناس، حتى لو كان في مصلحتهم، هو فعل غير إنساني، لأن في ذلك نزعًا لحقهم في الحرية والاختيار.
هذا المفهوم يجعل الحرية في الإسلام ليست مجرد حق اجتماعي أو سياسي، بل قيمة وجودية تعبّر عن جوهر الإنسان.
الإيمان والعقل في توازن الإسلام
من القضايا التي تناولها الكتاب بإبداع فكرة التوازن بين الإيمان والعقل.
يرى المؤلف أن الإيمان الأعمى بلا عقل يؤدي إلى التعصب، بينما العقل بلا إيمان يؤدي إلى الجفاف الروحي.
الإسلام، كما يصفه، يجمع بين القلب والعقل، ويمنح الإنسان رؤية متكاملة للحياة تقوم على العلم والإيمان معًا.
ولهذا فإن الإسلام بين الشرق والغرب ليس فقط كتابًا في الفكر الديني، بل مشروع حضاري يقدم رؤية شاملة لكيفية بناء إنسان متوازن يعيش في عالم سريع التغير دون أن يفقد ذاته أو قيمه.
لماذا تقرأ كتاب الإسلام بين الشرق والغرب؟
لأن هذا الكتاب لا يمنحك معلومات فقط، بل يغير نظرتك للعالم.
إنه رحلة فكرية تأخذك من عمق الفلسفة إلى صفاء الإيمان، وتجعلك تتأمل في معنى وجودك ومسؤوليتك.
كل صفحة فيه تطرح سؤالًا جديدًا وتفتح نافذة جديدة على الحقيقة.
إذا كنت تبحث عن كتاب يوقظ فيك الإحساس بالدهشة من الحياة، ويدعوك لتفكر بعمق في معنى الحرية، والإنسان، والكون، فإن الإسلام بين الشرق والغرب هو اختيارك الأمثل.
اقتباسات مختارة من الكتاب
“إن أي تلاعب بالناس حتى لو كان في مصلحتهم هو أمر غير إنساني.”
“ليست الصلاة مجرد تعبير عن موقف الإسلام من العالم.”
“الحرية هي جوهر الإنسان وقوامه.”
“إن علينا أن ندع الإنسان يجاهد بنفسه بدلاً من أن نقوم بعمله نيابة عنه.”
خاتمة: رسالة الإسلام التي لا تنتهي
في نهاية كتاب الإسلام بين الشرق والغرب، يدرك القارئ أنه أمام عمل يتجاوز حدود الزمان والمكان.
فهو ليس كتابًا عن الماضي أو الحضارة الإسلامية فقط، بل عن الإنسان في كل زمان ومكان.
إنه دعوة للتفكير، وللعودة إلى الله من خلال الحرية، وللإيمان من خلال العقل.
القراءة في هذا الكتاب تجربة عميقة ومؤثرة، تعيد صياغة نظرتك للعالم، وتجعلك أكثر وعيًا بذاتك وبإيمانك.
ولهذا يظل الإسلام بين الشرق والغرب من الكتب التي لا تبلى، لأنها ببساطة تتحدث عن جوهر الإنسان ذاته.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.